عائد من المشرية
***
…والأمصار شأوا بعد شأو … أرصفة تعج بشيوخ وحديث كله بريد ونقود..وقيود
****
من البليدة ، أبرق : أحمد ختاوي
****
مع الٌبكور غادرنا المشرية أمس في اتجاه البليدة بعون الله وتوكلنا عليه ،حوالي 560 كلم
ما إن انبرى قوس الشمس مقدار شبر لا أكثر ونحن نقطع الأمصار شأوا بعد شأو ، سعيدة التي تبعد عن المشرية شمالا تقدر ب160 كلم ، قطعناها محاذاة لها لنطل بعد على بلدية سيدي عمر ،30 كلم إلى الشمال ، ساكنة عمرانية متوسطة الكثافة ، شمالا دوما
ما استرعاني بالخصوص شيوخ أمام مكتب البريد ، لم ينبري قوس الشمس بعد ، زحمة لا نظير لها ينتظرون أن يفتح مكتب البريد ، وضعية بائسة ، ركام من الناس أمام مكتب البريد المقفل يتدافعون بالمناكب وفي أياديهم بطاقات تعريفهم وبعض الأوراق الشاحبة ، الباهتة مع مطلع الإشراق ،
ولا أعتقد أن يلج المكتب إلا من يتوفر على زند قوي ،
تركنا سيدي عمر في اتجاه معكسر
وحملنا في طياتنا انشغالنا كيف سيكون الأمر عند فتح مكاتب البريد .
ببلدية البرج بمرتفعات بني شقران البطلة التابعة لولاية معسكر ركام من الشيوخ يتوسدون أرصفة عارية إلا من حديثهم عن النقود والسيولة والبريد ، توقفت عمدا أمام ركام من الشيوخ ، يجاذبون أطراف الحديث قرب الرصيف ، فكان البوح : بريد ، بريد ، نقود نقود ، ولا حديث غير هذا ، كأن البريد أضحى قصيدة مقفاة ، على وزن نقود
وضعية بائسة ، قلت لأحد الشيوخ الذي كان بقربي ، ألا تضع الكمامة ، قال بتلقائية وحسرة : نسيتها في الدار ، خرجت مهرولا ، وقد بلغ مني الكبر عِتيّا ، لأظفر بمكان بهذا الرصيف ، لم أعلق
كان الأمر لا يستدعي ذلك ،
رددتُ : الله يقدركم \ ويعينكم كأنهم فلاحون بمزارع الكروم الخصبة بمعسكر ، وما هم بذلك ، كانوا خشبا مسندة على الرصيف وفي أفواههم بريد ، بريد ، نقود نقود ، كأنها قصيدة مقفاة ، ولله في دره شؤون ولحديث قياس ، قطعنا الأمصار الأخرى شأوا بعد شأو وفي خلدي تدور هذه القصيدة المقفاة : بريد …بريد ، أبحث لها عن ملحن في خلد الشيوخ والنفوس
ولحديث قياس
حتى وصلنا البليدة زوالا ، فكان لحنها في خلدي يدور ، فكنتُ الملحن والعازف معا.
الأغرودة عنوانها : نقود ، نقود بريد بريد على وزن فعولن ، فعولن .
فكان اللحن شجنا وكان بعيد المنال ، عند من بهم وهن أن يلجوا بسهولة ، عفوا بسيولة أجسادهم النحيلة التي ترشح عرقا قبل الهجير ، لتكون سيولة ونقود ومحاولة ظفر بدريهامات تقاعد ومعاشات زهيدة في مزاد القدر وصاحب البنية القوية والعناد .
المكتب إن لم يكن الزند عتيدا والبنية قوية لا تدخله بأي حال من الأحوال ومهما كان الحال ، لهول ما وقع على عيني من صنوف الشيوخ على الأرصفة يتدافعون قبل الأوان، فيهم الجالسون من الوهن وفيهم الواقفون ، واللحن من صنيع وصنف : ، المتين ، على وزن لا وزن له لا في الخفيف ولا المتدارك ولا البحر السريع ولا في معاجم ومجامع القواميس
ولحديث قياس